الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
أن الناس اختلفوا في تفسير التشبيه، فقد يفسره بعضهم بما لا يراه الآخرون تشبيهًا. مثال ذلك مع المعتزلة ومن سلك طريقهم من النفاة: أنهم جعلوا من أثبت لله تعالى: علمًا قديمًا، أوقدرة قديمة مشبهًا ممثلًا، لأن القدم أخص وصف الإله عند جمهورهم، فمن أثبت له علمًا قديمًا، أو قدرة قديمة فقد أثبت له مثيلًا. والمثبتون يجيبونهم بالمنع تارة، وبالتسليم تارة. أما المنع فيقولون: ليس القدم أخص وصف الإله، وإنما أخص وصف الإله ما لا يتصف به غيره، مثل: كونه رب العالمين، وأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه الإله ونحو ذلك. والصفات وإن وصفت بالقدم كما توصف به الذات لا يقتضي ذلك أن تكون إلهًا أو ربًا أو نحو ذلك كما أن النبي مثلًا يوصف بالحدوث، وتوصف صفاته بالحدوث، ولا يقتضي ذلك أن تكون صفاته نبيًا. وعلى هذا فلا يكون إثبات الصفات القديمة لله تعالى: تمثيلًا، ولا تشبيهًا. وأما التسليم فيقولون: نحن وإن سلمنا أن هذا المعنى قد يسمى في اصطلاح بعض الناس تشبيهًا، أو تمثيلًا فإنه لم ينفه عقل، ولا سمع وحينئذ فلا مانع من إثباته. فالقرآن إنما نفى مسمى المثل، والكفء، والند ونحو ذلك والصفة في لغة العرب التي نزل بها القرآن ليست مثل الموصوف، ولا كفؤًا له، ولا ندًا فلا تدخل فيما نفاه القرآن. فالواجب نفي ما نفته الأدلة الشرعية، والعقلية فقط. مثال آخر: مع الأشاعرة ونحوهم ممن ينفي علوه على عرشه ونحوه دون صفة الحياة، والعلم، والقدرة ونحوها فيقول: إن هذه الصفات قد تقوم بما ليس بجسم بخلاف العلو فإنه لا يقوم إلا بجسم فلو أثبتناه لزم أن يكون جسمًا، والأجسام متماثلة فيلزم التشبيه. والمثبتون يجيبونهم تارة بمنع المقدمة الأولى وهي قولهم : "إن العلو لا يقوم إلا بجسم" وتارة بمنع المقدمة الثانية وهي قولهم : "إن الأجسام متماثلة" وتارة بمنع المقدمتين، وتارة بالاستفصال. فيقولون: إن أردتم بالجسم جسمًا مؤلفًا من لحم وعظم وأجزاء يفتقر بعضها إلى بعض، أو يحتاج إلى مقومات خارجية، فهذا ممتنع بالنسبة إلى الله الغني الحميد، وليس بلازم من إثبات الصفات. وإن أردتم بالجسم ما كان قائمًا بنفسه موصوفًا بالصفات اللائقة به، فهذا حق ثابت لله عز وجل ولا يلزم عليه شيء من اللوازم الباطلة. وإذا تبين اختلاف الناس في تفسير التشبيه صار الاعتماد على مجرد نفيه باطلًا، لأنه يلزم منه نفي صفات الكمال عن الله تعالى: عند من يرى أن إثباتها يستلزم التشبيه. وعلى هذا فالضابط الصحيح فيما ينفى عن الله تعالى: ما سبق في أول القاعدة.
|